درخت حوزه‌های تخصصی

یزعم کثیرٌ من العروضیّین العرب فی العصر الحدیث أنّ الأخفش الأوسط هو الّذی استدرک البحر المتدارک على البحور الخلیلیّه الخمسه عشر، ولکن الدراسه التاریخیّه والبنیویّه لهذا البحر تثبت أنّ المتدارک لیس من استدراکات الأخفش على الخلیل، بل ابن حمّاد الجوهری هو الّذی استدرکه على البحور الخلیلیّه، لأنّه کان بحاجه ماسّه إلى هذا البحر فی فرضیّته العروضیّه. منهجنا فی هذا المقال هو منهج تاریخی و تحلیلی، إذ إنّنا درسنا المتدارک وانتسابه إلى الأخفش دراسه تاریخیّه کما عالجنا نسبه المتدارک إلى الجوهری معالجه بنیویّه.

مازال العمل على الفکر النقدی للنقاد، على الرغم من کثرتهم، قلیلا. والعمل على فکر الناقد یقدم للقارئ المتابع، الخط الذی سار علیه هذا الناقد، والمنطلقات التی أسست لنظرته إلى الأدب. والناقد عز الدین إسماعیل ناقد غزیر الإنتاج، وهو أحد الرواد الذین کان لهم دور بارز فی بلوره القصیده الشعریه الحدیثه، فی مصر، والوطن العربی کله، وکتابه ""الشعر العربی المعاصر / قضایاه وظواهره الفنیه"" على قدمه یعد الدستور الذی سطر لهذه الحرکه خطوطها الرئیسه. وهذا البحث یقوم على محاوره أفکار الناقد فی هذا الکتاب، وما أکثرها، یؤیّد بعضها، ویخالف بعضها الآخر؛ فالناقد قام بتوصیف حرکه الشعر الحدیث، فنیّا وموضوعاتیا، ولئن اختلفت الباحث فی بعض القضایا، فهذا شیء طبیعی، تحتّمه السیروره الزمانیه.

قضیة العجمة والکلمات الوافدة إلی العربیة قد شغلت أذهان اللّغوییّن العرب منذ القدم، ولکلّ منهم موقفه الخاصّ تجاه هذه القضیة. فأبوالعلاء المعرّی باعتباره أحد أهمّ العلماء الملمّین باللّغة والمالکین بزمامها، أبدی اهتماماً بهذه القضیة وله مساهمات نشطة فی هذا الصّدد. فهذا البحث باتّخاذ الموقف النقدی- التحلیلی (معتمداً علی المنهج الصرفی) یحاول أن یحدّد البصمات الأساسیة لموقف أبی العلاء من العجمة والوافد فی اللّغة العربیة فی آثاره الشهیرة، فبدا لنا من خلال البحث والاستنتاج أنّ أبا العلاء فی بحثه عن ""الأصیل والدخیل"" کان ینطلق من المقابلة بین الأعجمی والعربی ویعالج الفارسیة باعتباره أکثر الألسنة تأثیراً فی اللّغة العربیة. وهو یبدی معرفة أصیلة بهذه اللّغة فیقوم بذکر أصل المعرّب فی لغته ویعالج ما یطرأ علی أصوات اللّفظة فی لغتها الأمّ من تغییر عند تعریبها. إنّ عدم الإلمام بالأصل العربیّ لبعض المداخل مسألة کانت لها بصماتها فی المعالجة المعجمیة العلائیة وقد یتأتّی ذلک فی مظهرین أوّلهما تقریریّ بالسّلب بنفی الأصل العربی وثانیهما تبریریّ بالإثبات بإقرار الإستعمال من جانب القُدامی، ولتجنّب هذه المشکلة یعتمد علی المعطیات الصّرفیة ویتّخذ من الوزن وحروف الزیادة مقیاساً به یحکم للمادّة أو علیها بالإنتماء، وهو یتعامل مع مسألة الدالّ والمدلول علی أساس منطقی ویعید کلّ دالّ إلی معناه اللغویّ الذی أفاده فی أصل وضعه.

انطلاقا من أن لکل منهج نقدی، أو مدرسه نقدیه خطابها المتشعب من خطاب کلی، وأن لکل ناقد خطابه الخاص المتمثل فی مفاهیمه، أو فیما یمارسه من هیمنه ضمن حقوله الإنتاجیه، توقفنا فی هذه الدراسه عند الخطاب النقدی عند "" لویس عوض"" ؛ لنحدد مفاهیمه وإجراءاته المنهجیه، بغیه الوصول إلى الخصوصیه التی یتمیز بها هذا الخطاب النقدی، المتعدد الجوانب؛ إذ یجد فیه الباحث نوعین من المفاهیم، ارتبط أولهما بقضایا الفنون، وانب ث ق ثانیهما من الحدیث عن المنهج وإجراءاته؛ ذلک لأن الناقد حاول بناء منهج، یمکننا أن نصنفه فی باب الدراسات الواقعیه الاجتماعیه، ابتداء من المقدمات النظریه لترجماته الأولى، وهی مقدمات تحدد ملامح رؤیه نقدیه واضحه، فتحت المجال واسعاً أمام المنهج الاجتماعی لفهم الظاهره الأدبیه، وربطها بالواقع الذی صدرت عنه؛ لیکون الأدب انعکاساً لما فی الواقع من رؤى وصراعات.

الإغراب قدیمٌ قِدَمَ الإبداع؛ مستمرٌّ استمرارَه، ظلَّ حاضراً فی جهود النقّاد من عصر أرسطو حتّى الیوم على اختلاف بینهم فی درجاتِ الاهتمام به، وفی تجلّیاته التی اجتذبتهم إلى حلباتها؛ فجاءت جهودهم آراء مبثوثهً فی تضاعیف مؤلّفاتهم، أو مجموعهً فی فصلٍ، أو بابٍ من کتابٍ، أو آراء مشفوعهً بالاختیارات، أو اختیاراتٍ عنوانُها الإغرابُ. وهکذا انتظمَ جهودَهم حبُّ الإغرابِ عند کلٍّ من المبدع والمتلقّی، واللفظُ الغریبُ، وغرائبُ الأبیاتِ، وغرائبُ المبانی والمعانی، وغرائبُ الصور. بید أنّنا نصرفُ النظرَ فی بحثنا هذا عن المستوى العمودیّ؛ ممثَّلاً باللفظِ الغریبِ الذی شُغِفَ به اللغویُّونَ والرواهُ، ونجعل وکْدنا الإغراب على المستوى الأفقیِّ ممثَّلاً بالتألیف، والتخییل، زاعمینَ أنَّه المحورُ الخفیُّ أوالصریحُ الذی انتظمَ الدرسَ النقدیَّ عند العرب؛ فاستغرق حفریّاتهم على عروق الذهب فی صنعه الشعر، وجهودَهم للقبض على أسرارِ ارتقاءِ المنظومِ إلى مراتبِ الشعریِّ التی عبَّروا عنها بالبیان والفصاحه والبلاغه.