قضیة العجمة والکلمات الوافدة إلی العربیة قد شغلت أذهان اللّغوییّن العرب منذ القدم، ولکلّ منهم موقفه الخاصّ تجاه هذه القضیة. فأبوالعلاء المعرّی باعتباره أحد أهمّ العلماء الملمّین باللّغة والمالکین بزمامها، أبدی اهتماماً بهذه القضیة وله مساهمات نشطة فی هذا الصّدد.
فهذا البحث باتّخاذ الموقف النقدی- التحلیلی (معتمداً علی المنهج الصرفی) یحاول أن یحدّد البصمات الأساسیة لموقف أبی العلاء من العجمة والوافد فی اللّغة العربیة فی آثاره الشهیرة، فبدا لنا من خلال البحث والاستنتاج أنّ أبا العلاء فی بحثه عن ""الأصیل والدخیل"" کان ینطلق من المقابلة بین الأعجمی والعربی ویعالج الفارسیة باعتباره أکثر الألسنة تأثیراً فی اللّغة العربیة. وهو یبدی معرفة أصیلة بهذه اللّغة فیقوم بذکر أصل المعرّب فی لغته ویعالج ما یطرأ علی أصوات اللّفظة فی لغتها الأمّ من تغییر عند تعریبها. إنّ عدم الإلمام بالأصل العربیّ لبعض المداخل مسألة کانت لها بصماتها فی المعالجة المعجمیة العلائیة وقد یتأتّی ذلک فی مظهرین أوّلهما تقریریّ بالسّلب بنفی الأصل العربی وثانیهما تبریریّ بالإثبات بإقرار الإستعمال من جانب القُدامی، ولتجنّب هذه المشکلة یعتمد علی المعطیات الصّرفیة ویتّخذ من الوزن وحروف الزیادة مقیاساً به یحکم للمادّة أو علیها بالإنتماء، وهو یتعامل مع مسألة الدالّ والمدلول علی أساس منطقی ویعید کلّ دالّ إلی معناه اللغویّ الذی أفاده فی أصل وضعه.