إنَّ عنوان هذه المقاله هو (نقد ومناقشه) والمقصود بالنقد و المناقشه هو أبو یعقوب السکاکی المتوفى سنه (626ه)، صاحب کتاب مفتاح العلوم وهو أحد علماء البلاغه البارزین، والسبب الذی دفعنی لمنقده ومناقشته ونقده هو رأیه فی تأویل القصر فی قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ (آل عمران/144) حیث قال: " ومن الوارد فی التنزیل على قصر الإفراد قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾؛ فمعناه محمدٌ مقصورٌ على الرساله لایتجاوزها إلى البُعد عن الهلاک. نُزِّلَ المخاطبُونَ لِاستعظامهم أنْ لایبقى لهم منزلَ المُبعِدینَ لِهلاکِهِ. (السکاکی، 1983: 289) (أی: نَزَّلَ اللهُ –تعالى- الصحابهَ لاستعظامهم موتَ الرسول الأکرم «ص» منزلهَ المعتقدین بخلوده؛ یراجع شرح التلخیص لأکمل الدین البابرتی: 337 وقال عصام الدین الحنفی:" نُزِّلَ استعظامُهم هلاکَهُ منزلهَ دعوىٰ أُلُوهِیَّتِهِ...واعتقادُ الأُلُوهِیَّهِ یُنافی الرسالهَ" الحنفی، 2001: 559) وهذا الکلام معناه أنَّ السکاکی نسب إلى الله تعالى أنه هو الذی نّزَّلَ الصحابهَ منزلهَ المعتقدین بأنَّ الرسولَ الأعظمَ «ص» خالدٌ لذلک قصرَهُ اللهُ تعالى على الرساله، ونفى عنه الخلودَ، وقد تبعه فی هذا الرأی بحسب اطلاعی جمیعُ علماءِ البلاغه الذین جاءوا بعده إلى یومنا هذا، وإننی حین دَقَّقْتُ النظر فی رأیه هذا وجدتُ أنَّ نقدَهُ و مناقشَتَهُ وإعطاءَ الرأى الصحیح أمرٌ ضروریٌّ ومهمٌ جداً؛ لأنَّ هذا التأویل وهذا التفسیر یرتبط ارتباطاً وثیقاً ومباشراً بتفسیر الآیات القرآنیه التی من جملتها هذا القصرُ، وبفمهما فهماً مدعوماً بالأدله المحکمه أیضاً علماً بأنَّ السکاکی حین نَسَبَ ذلک إلى الله -تعالى- نسبه بضرس قاطع، ولم یُتبِعْهُ بجملهٍ مثل هذه الجمله: ( والله –تعالى- أعلمُ). وإنَّ الذی عملتُه هو أنّی نظرتُ إلى هذا القصر من زاویهٍ أخرى هی أقربُ إلى حقیقه الأمر مستنداً فی ذلک إلى سبب النزول، و إلى علم المعانی و إلى الواقع التاریخی لذلک ناقشتُ رأیَهُ من الجهات الأربع التالیه: شأن النزول، والصفات التی نفاها هذا القصر، والمقام الاعتبار المناسب، وارتباط البحث البلاغی فی القرآن الکریم بالتفسیر. وکان من النتائج التی توصلتُ إلیها أنَّ اللهَ تعالى لم یُنَزِّلِ الصحابهَ منزلهَ المعتقدین بخلود الرسول الأکرم «ص» وأنَّ نسبه ذلک إلیه –تعالى- دون دلیل إنما هی عملیه تأویلیه لعلَّ المرادَ منها إخضاعُ الآیه للقاعده البلاغیه وأهم النتائج أنَّ الصفات التی نفاها هذا القصر هی: السحر والجنون والکذب (ادّعاءُ النُّبُوَّهِ) ولیست هی الخلودَ. وإنی لم أرَ- بحسب إطلاعی- مَن ناقش رأىَ السکاکی هذا و نَقَدَهُ وأعطىٰ الرأیَ البَدیلَ المدعمَ بالدلیل قبلی.