إن الحس أول معین للأدیب فی إبداع صوره الفنیة، إذ إنه یلتقط به مواد صوره من مجالات مختلفة ثم یمزج بعضها ببعض فی خلق أثره الأدبی؛ لذلک قام النقد الأدبی الحدیث بدراسة ارتباط الصور الفنیة بالحواس الخمس الظاهرة. فانقسمت الصور بهذا الاعتبار إلى الصور البصریة، والسمعیة، والذوقیة، والشمیة، واللمسیة. إن المراد من الصورة اللمسیة، کل صورة، تأخذ موادها مما یدرک باللمس، أی تصور مدرکات کالحرارة، والبرودة، والرطوبة، والیبوسة واللطافة، والکثافة وأمثالها. تهدف هذه المقالة إلى دراسة الصور اللمسیة فی الثلث الأول من القرآن الکریم؛ لإلقاء الضوء على جمالیات، تکمن وراء الآیات، والوصول إلى الأسالیب التی وظفها القرآن الکریم لتصویر ما یرتبط بقوة اللمس. ترکزَ بحث هذه الدراسة على کیفیة تجلی الصور اللمسیة فی القرآن الکریم عبر فنون بیانیة وظفها الذکر الحکیم، وفیه إشارة عابرة إلى الصور الحقیقیة التی تصور المدرکات اللمسیة. اعتمد الباحث فی هذه الدراسة على المنهج الوصفی والتحلیلی. توصل البحث إلى نتائج أهمها ما یلی: 1 إن کثیرا من الصور القرآنیة المرتبطة بالقوة اللمسیة، خاصة الحقیقیة منها، جاءت لوصف عذاب نار، مهدها الله للمعاندین والمشرکین؛ 2 جاءت کثیر من الصور البیانیة اللمسیة لترسیم صورة محسة ملموسة من المعانی والأغراض لتقریبها من ذهن السامع، وتثبیتها فی قلبه؛ 3 إن القرآن الکریم اختار المشبه به فی التشبیه والاستعارة من الأمور الحسیة التی واجهها الإنسان فی بیئته، وأدرکها بحواسه، والتی بینها وبین الأغراض أقرب المناسبة، وأشد الارتباط؛ 4 إن کثیرا من الکنایات فی هذا الباب، جاءت للإشارة إلى ما یحسن ستره، ویستقبح ذکره من العورات.