یعتبر أدب المقاومة أدب الوعی والحثّ علی تجاوز الأزمات الشعبیة والحروب والقهر ویحاول لاستنهاض الهمم للجهاد والوعی بالذّات والهویّة ویتناول موضوعات البطولة فی مواجهة العدوان والظلم والاحتلال. تختلف آلیات المقاومة فی العصور المختلفة عند الأدباء فمنهم من یتّخذ القصة أو الروایة أداة للدعوة إلی المقاومة ومنهم من یتّخذ الشعر وسیلة للحثّ علی الدفاع. ولما کان الشعر أکثر انتشارا وتأثیرا فی إثارة الهمم نلاحظ أنّه قد شغل حیّزا واسعا فی موسوعة أدب المقاومة. کان للغزو الصلیبی أثره الواسع فی الحیاة الاجتماعیّة ومنه فی الشعر حیث بدأ نفر غیر قلیل من الشعراء یجرّدون لسانهم للذود عن حمی الإسلام وتحمیس الحکام وجندهم لمواجهة العدوان الصلیبی. من الشعراء الذین برزوا فی بدء هذا الغزو وحملوا سلاح الشعر ضد العدو الصلیبی هو ابن القیسرانی(478-548ق) الذی عمل علی بعث الحمیة فی قلوب المسلمین وسلاطینهم خاصة نور الدین الزنکی لاستعادة بلاد المسلمین. ومن أهمّ مظاهر المقاومة فی شعره الدعوة إلی النضال والتحریض علی مواصلة الجهاد وتمجید الأبطال وتصویر ظلم المعتدین. تبدو هذه العناصر فی تضاعیف قصائده فی مختلف الأغراض الشعریة کالمدح والهجو ووصف المعارک.
اعتمدنا فی هذه الدراسة علی المنهج الوصفی- التحلیلی وهدفنا إلی إبراز مظاهر المقاومة و بیان خصائصها لدی ابن القیسرانی و ذکر المعانی التی اعتمد علیها الشاعر لإذکاء روح الجهاد و المقاومة فی صفوف المسلمین و خلصنا إلی أن الشاعر استوحی من الدین والوطن باعتبارهما الباعثین الأساسین لرفع المعنویّات وإثارة النخوة الدینیّة والغیرة القومیّة لدی المسلمین واستدعی رموزا تراثیة لیحمّس الجنود المسلمین ویحرّضهم علی الدفاع عن حیاض الدولة الإسلامیة وحدودها.