کان الغزل العذری حیّاً فی العصر العباسی رغم وجود الشعراء الذین ارتفعوا عن الحس المادی وعاشوا فی حبّهم معیشة طاهرةً نقیةً وعلی رأسهم محمد بن داود الإصفهانی المعروف بالظاهری. فهو نتاج تربیة إسلامیة صافیة امتزجت فیه التعالیم الدینیة بروح إنسانیة فنتجت عنها هذه العفة و""النیرفانا"" من أهم میزاته ویمثل انعطافاً واضحاً فی تیار الشعر العربی، لأنّه وضع غرضاً شعریاً متمیزاً وکان حافظاً لأسالیب الشعر الموروثة، کما تأثّر بالحضارة الإسلامیة والثقافات الأخری آنذاک.
سعت هذه الدراسة أن تبرز بعض معالم التربیة الروحیة المشترکة عند البوذیة والإسلام وأهمیة الحیاة الروحیة ومکانتها عند الدیانتین؛ وتدور حول وسائل العملیة لتحقیقها ثمّ أسالیبها لتجرد النفس عن رغباتها وتحقیق الوصول إلی الذات الإلهیة. ومن أهم عناصرها الموت، الألم، تعطیل الإرادة، الصراع النفسی والمازوشیة.
هذا والمنهج الذی التزمناه فی بحثنا توصیفیاً تحلیلیاً ویعتمد علی مناهج الداراسات الحدیثة فی النقد النفسی الحدیث ویمکن معرفة الأجواء الأدبیة المسیطرة علی العصر العباسی من خلال النقد النفسی لأشعار الإصفهانی کما سلکنا فی هذا البحث مسلک النقد والتفنید. إذن دراسة دقیقة لأشعاره تُوضِح قیمة هذا الشعر من الناحیة الفنیة واتجاهه العفیف فی معالجة هذا الجانب الشعری المتمیز.