الآلیات الّتی یعتمدها الشّاعر للإیحاء والتّأثیر بدلاً من المباشرة والتّصریح تنقل المخاطب من المستوی المباشر للقصیدة إلی المعانی والدّلالات الکامنة وراء النّصّ کما تقوم باستکمال ما تعجز الکلمات عن بیانه الصّریح. فالتّعبیر بالرّمز یعطی زخماً وغنیً وخصوبة للنّصّ الشّعری وهذا ما دأب علیه الشّعراء المعاصرون وقد عکف الشّاعران الإیرانی والمصری حسین منزوی وصلاح عبد الصّبور علی توظیف تقنیّات حدیثة، لما فیها من قدرة علی توجیه الأفکار وتعمیق الرّؤیة الفنّیة وإثراء النّص وتخصیبه. فقصائدهما طافحة بالإیحاءات الدّلالیّة والرّصید الهائل للرّموز التّاریخیّة ک «رستم» و«سهراب» و«سندباد» و«حلّاج» والشّخصیّات الدّینیّة کالنّبی موسی (ع) وعیسی (ع) والإمام الحسین (ع). علاوة علی ذلک فقد استغلّ الشّاعران ظاهرة اللّیل والألوان وإفرازاتها الدّلالیّة لإثراء موتیف الحزن فی أشعارهما. یعمد هذا البحث إلی الدّراسة المقارنة للآلیات الفنّیّة الّتی استخدمها الشّاعران منزوی وعبد الصّبور لبلورة الحزن فی أشعارهما اعتماداً علی المنهج الوصفی - التّحلیلی التّابع للمدرسة الأمریکیة. ومن أبرز النّتائج الّتی تفیدها دراستنا هذه أنّ مشاعر الحزن تکاد تکون قویّة وغالبة فی اشعار الشّاعرین إلّا أنّ حزن منزوی ناجم عن عوامل وأسباب ذاتیّة أو فردیّة فی حال ینبثق حزن عبد الصّبور من أسباب سیاسیّة واجتماعیّة ثمّ إنّ منزویاً یبدو من خلال کلماته شاعراً متشائماً بینما یبدو عبد الصّبور شاعراً متفائلاً بصورة عامة.