إنّ من أهمّ ما یمیّز الشعر المعاصر, هو استعراض الموضوعات السیاسیة والاجتماعیة المتنوّعة التی تحیط بالشاعر بطریقة فنّیة غیر مباشرة, ممزوجةً بالنزعات الذاتیة والجوانب الغنائیة. فالشاعر المعاصر یقوم علی أساس التزاماته الشعریة بالإفادة من الأشکال الفنّیة المتنوّعة کالرمز، واستدعاء الشخصیّات التراثیة. وجدیر بالقول إنّ تقنیة القناع هی من أجمل الطرق الفنّیة للتعبیر عن أفکار الشاعر بکلّ موضوعیة. فالسیّاب، کغیره من شعراء هذا الاتجاه، یؤکّد فی مجال توظیفه لهذه التقنیة علی ثلاثة أصول: الصلب، والتضحیة، والبعث, والنشور، وذلک من خلال التماهی بشخصیة المسیح، کی یصوّر للمتلقّی مدی الآلام التی تحمّلها فی سبیل إیقاظ شعبه، ویستعرض به نتائج کفاحه وتضحیاته. وقد قام الشاعر فی سبیل الوصول إلی غایته باستخدام تقنیة قناع المسیح بصورتین مختلفتین: وهو فی الأولی، والتی تتجلّی فیها مظاهر الأمل والتفاؤل بالغد المشرق، یتحلّی بالمعانی الأصیلة التی تضمّنها رمز المسیح، أی معنی الفداء والبعث بعد الموت، ولکن فی الصورة الثانیة تنقلب المعانی بطریقة فنّیة وتتعارض مع المضمون الرئیس المستنبط من أسطورة المسیح؛ وهی الشعور بخیبة الأمل من التغلّب علی المحن الفردیة, والمشاکل الاجتماعیة, والسیاسیة، فتتحول عنده أسطورة الانتصار إلی رمز الخسارة والفشل. والغایة من هذا التوظیف العکسی تمکین الشاعر من التعبیر عن تجربته الشعریة المعاصرة والتی هی نتیجة التناقضات الخارجیة فی المجتمع والأزمات النفسیة وذلک علی المستوی الفردی والعام.