وفیق سلیطین

یعدُّ کتاب د. عبد الکریم الیافی "" التعبیر الصوفی ومشکلته "" علامه متقدمه فی سیاق الدراسات الجامعیه التی عُنیت بدراسه التعبیر الصوفی وبحث خصائصه الذاتیه؛ إذْ یعود تاریخ نشر العمل المذکور إلى سنه (1963)، عندما کان جزءاً خاصاً من کتاب الیافی الموسوم ب "" دراسات فنیه فی الأدب العربی "". یتناول هذا البحث عمل الیافی المشار إلیه بالتعریف، والمناقشه، والنقد، والاستخلاص، وهو إذ یوجّه إلى تعرّف قیمه الکتاب یکشف، فی الآن ذاته، عن محددات الطابع التعلیمی الذی وسم التناول، وقیّده فی إطار استراتیجیته الخاصه. ومن هنا تتأتى أهمیه المساءله النقدیه لجوانب العمل، فی منحى فتح إشاراته المقیّده على آفاق التجاوز المتلامحه وراء طوابع التقیید المدرسی، وفی منحى تخطّی إجراءات المسح، والتتبّع، وإفراد الخیوط الظاهره، نحو الغوص، عمیقاً، وراء الأهداف المباشره: الإبلاغیه، والتوصیلیه، التی حکمت دراسه الیافی فی معالجه أسلوبی التعبیر الصوفی: الأسلوب التجریدی، والأسلوب الرمزی، على نحو ما تمخضه النتائج المثبته فی ختام البحث.

یتناول هذا البحث مفهوم الرحلة فی الشعر الصوفیّ، وتحدیداً فی القرن السابع الهجری، فیؤکد أولاً أن هذه الرحلة تنطلق من رؤیة فکریة تقوم على أن حیاة الإنسان ما هی إلا رحلة من بدایتها إلى نهایتها. وقد قُدّمت هذه الرؤیة فی أسلوبٍ شعری یستفید من الشعر القدیم فی استعارة مفهوم الرحلة، ویقوم بإجراء تحویل دلالی على مفرداتها، ثمّ یقف البحث عند الواقع الذی تنطلق منه الرحلة، والذی یتّصف بمشاعر الغربة والوحشة، وذلک بسبب البعد عن الموطن الأوّل، وهو ما عبّر عنه الصوفیون بمصطلحی الاتصال والانفصال، فالصوفی یشعر دوماً ببعده عن أصله، وبأنّه منفیُّ فی الوجود المتعین، وهذا ما یشکّل دافعاً للقیام برحلة تخفّف من وطأة التوتّر والقلق بحثاً عن غایة منشودة یعلمُ الصوفی، مسبقاً، أنّ تحقّقها متعذّر، لتکون الرحلة بذلک غایة فی ذاتها. ولأن حجم البحث لا یسمح بالإطالة فسیُکتفى بدراسة مکون واحد للرحلة وهو (الناقة)، فتتم الإشارة إلى دلالاتها الجدیدة فی نصوص الرحلة الصوفیة.

ینعقد هذا البحث لمناقشه التوظیف الرمزی للنای انطلاقاً من تراث الشعر الفارسی ممثلاً بجلال الدین الرومی، ومن ثم لتتبّع أثره فی نصوص من الشعر العربی الحدیث. ولجلاء هذا الأثر یتوقف البحث أولاً عند قصیده جلال الدین الرومی الشهیره الموسومه ب "" النای ""، فیکشف عن الأبعاد الرمزیه العرفانیه فیها، وینطلق، بعد ذلک؛ لیرصد طرائق حضور هذا المکوّن الأصلی فی تجربتین من تجارب الشعر العربی الحدیث، أولاهما تجربه الشاعر عبد الوهاب البیاتی، والثانیه تجربه الشاعر خلیل حاوی فی دیوانه الموسوم ب "" النای والریح "". وینتهی البحث لتوضیح أشکال علاقات التفاعل النصّی بین النص المتناص والنص المرجعی، ویختم بقراءه هذه النتائج قراءه تأویلیه تتوخّى تحریر الدلاله الکلیه من داخل هذا السیاق.

یتناول البحث مجموعه من نصوص الخمر الصوفیّه فی القرنین السادس والسابع الهجریّین، فیقف على خصائص الخمر وثیماتها وأوصافها، على المستویین الحسّیّ والروحیّ، کما لو أننا بصدد نصّین اثنین: الأوّل منهما ذو دلالات ظاهره مباشره، تکون الخمر فیه حسیّه تقتضی السکر، وتؤدی بمعاقرها إلى الهذیان والجنون، والثانی منهما ذو دلالات محجوبه باطنه، تکون الخمر فیه رمزاً للمعرفه والمحبّه والخلق، ممّا یعنی أنّنا إزاء ازدواجیّه بین المعنى الموجود والمعنى المفقود، بوصف الأوّل منهما یحیل على ما أحال علیه أهل الفقه والشریعه، والثانی منهما یحیل على ما أحال علیه أهل التصوّف، مثلما نحن إزاء جدلیّه تدور رحاها حول علاقه الأنا بالآخر ""الذات الإلهیّه""، صعوداً وقد تمثّل بالاتصال معه، أو هبوطاً وقد تمثّل بالانفصال عنه، فی محاوله جادّه من قبل الشاعر الصوفیّ للحفاظ على دیمومه التجربه وحمایتها من الموت والبوار.

یعکف البحث المزمع إنجازه على دراسه نصّ متخیّر من شعر "" ابن ملیک الحموی "" فی العصر المملوکی، ویهدف إلى الوقوف على الآلیات النصیّه العامله فیه، وتحدید أنواعها، ودرجات تفعلیها فی بنائه وإنتاج دلالاته الممکنه. ومن ثم یعرض لأشکال التوظیف والاستخدام التی یتوسل بها النص، من خلال اشتباکه بالنصوص الأخرى التی یستحضرها ویحیل علیها . ویخلص البحث إلى تبیان أهمیه هذه الممارسه ومناقشه أشکال التوظیف المعتمده فیها بین حضور المرجع ومفهوم التناص .

ینعقد هذا البحث لتقدیم قراءة استکشافیة لشعر ""ممدوح عدوان"" تأتی على أهمّ رکائزه ومُنطلقاته، وتکشف عن سماته وخصائصه العامّة من خلال معاینة النصوص والشواهد والإبانة عن المقوّمات الأسلوبیة التی تعیّن شعره بین حدّی البلاغة والإبلاغ بما یتفرّع على ذلک من الکلام على الطوابع الأدبیة والسیاسیة التی تَسِمُ الأداء فی ترجّحه بین الجانبین، وفی إنتاجهما معاً فی سبیکةٍ قولیة واحدة. من هنا کان یجری الترکیز على تخیّر الشواهد المناسبة فی تمثیلها للتجربة، والعکوف على فحصها، لإعادة بناء المکوّنات العلامیة من جهة، ولاستخلاص ما ترشّحه من طاقات دلالیة ومصاحبات إیحائیة، ولوصل ذلک، من بعد، فی مراکز تجمیع تتقاطع عندها الشواهد، ویتقوّى بعضها بأثر من بعض فی عملیات الضمّ والتوجیه القرائی. على أساس هذا النهج أشرنا إلى الرموز المتکررة فی شعر "" ممدوح عدوان""، وإلى طرائق توظیفها، وصولاً إلى بیان ما یترتب على أشکال التوظیف هذه من لوازم فکریة، أو من مقولات ضمنیة، أو بیان ما تشف عنه من منظورات محددة، تنطلق منها التجربة وتعود إلیها فی الممارسة، بما تحفل به من آلیات التنظیم، ومن متغایرات إنتاج القیمة وسبل التدلیل.

الرَّمز الموسیقیُّ أسلوبٌ من أسالیب التَّعبیر، لا یقابلُ المعنى ولا الحقیقه وجهاً لوجه، بل یقدِّم صوراً بدیلهً للأصل، ولکنَّه – أی الرَّمز- لا یکتفی بذلک، بل یتعدَّى الأمر إلى تقدیم فعالیَّهٍ رمزیَّهٍ عمیقه الدَّلاله فی معانیها ورؤاها. ویتَّسمُ الشِّعر الصُّوفیّ، بشکلٍ خاصٍ، ببنیهٍ فکریَّهٍ معقَّدهٍ، ومتشابکهٍ فی الأدبین العربیِّ والفارسیِّ. فکان استخدام الرُّموز الموسیقیَّه وسیلهً للبوحِ والکشفِ عن المستترِ والمحجوبِ. وقد احتفى الشَّاعران (النابلسیّ والرومیّ) بآلات الموسیقا مما لفت نظرنا إلیها. وظهرت ثقافتهما الشِّعریَّه، فی الحقیقه، اقتباساً من أفکار قرآنیه مثل نفخ الروح فی الجسد، وفهماً عمیقاً لقدره الرَّمز الموسیقیّ وفاعلیته فی إخفاء المعانی والأفکار والآراء. وقدتنوَّع استخدام الشَّاعرین للتَّوظیف الرَّمزیّ للآلات الموسیقیَّه،فتشابها تارهً، واختلفا تارهً أخرى، وحرص کلٌّ منهما على تعمیق خاصیَّه التَّواصل بین الفکر المبدع(الشَّاعر)، والفکر المتلقی من خلال النَّغمات النَّاطقه بالأسرار، والخفایا الإلهیَّه التی تطلقها الآلات الموسیقیَّه، وتأویلها وفق هذا النَّحو.