تؤکد هذه المقاله على أن الأدب الفارسی یتمتع بقدرات وإمکانیات خاصه تمکنه من إیجاد الحلول المناسبه لکافه المسائل والمشاکل الروحیه الشدیده التی یعانی منها الإنسان التّائه فی عالمنا الیوم العالم الذی جعل روح الإنسان عرضه للهواجس الموذیه الناشئه عن التقدم التقنی وسیطره الآله التی ألقت به فی دوامه الاضطراب والتشتت الروحی حتی وصل به الأمر أمام هذا السیل الجارف إلى فقدان الذات وضیاع الهویه. هذه الصبغه التی یتمتع بها الأدب الفارسی دون غیره إذا ما وضعناها فی مقابل المشاغل البشریه الیوم، أمکننا تسمیتها "الوعی العرفانی الخاص" و إذا ما وقفنا على مشارف ذهن الشاعر العارف "مولوی" کان حتماً علینا أن نسمیها "الوعی الإلهی" الوعی الذی لا یصل إلیه الا الذین طهّرهم السلوک العرفانی بعد طی مراحله وکسب المقامات الربانیه. فالوصول إلى الوعی الإلهی الذی یعتبر فی الواقع نوعاً من "الشهود العرفانی" یستلزم طیَّ طریق خاص وسلوک معیّن، وعلیه نجد أن سالکی الطریق الربانی وحسب الرﺆیه الکونیه العرفانیه قد قدموا لنا مراتبَ ودرجاتٍ لمعرفه الإنسان للطبیعه والنفس والربّ والوصول إلیها یخضع لتقسیمات خاصه ومعینه، وما یتناوله هذا البحث هو أعلى مرتبه یتربّعها العارف والتی سمیناها "ما بعد الوعی" إذ لا یمکن الوصول إلیها من خلال القوى الإدراکیه و الأدوات المعرفیه المتعارفه. فما بعد الوعی یراد به "النظر إلى الوجود بعین العارف و أو بعین الله" و هذا کما ذُکِرَ انما هو نتیجهٌ للعروج فی المراتب والمقامات العرفانیه المتسامیه والحیره والفناء. وهذا یقع فی مقابل الحیره المذمومه والضیاع وفقدان الذات الناشیء عن کثره الکمالیات والتجملات الخادعه فی عالمنا الیوم، والوعی المتحدَّث عنه لا یعتبر أکثر سمواً من العلم وحسب إنما یفوق البصیره والمعرفه الباطنیه التی یسمّیها علماء النفس "الوعی الذاتی" أو "الشعور" کما ویعتبر ما بعد الوعی نوع من "الوعی الباطنی" الناتج عن طی السلوک العرفانی وصولاً إلى "الحیره العرفانیه" و صیروره "أنا" السالک "مابعد الأنا" أو "الأنا الجدیده" المحیطه والمتصله بعالم الملکوت. فالکاتب تقدّم بدایه إلى إثبات المدَّعی المذکور ومن ثم خاض فی تجلیات هذا النوع من الوعی فی دیوان الحیره الممدوحه فی جمیع جنبات دیوان "المثنوی المعنوی" نرى أن ما یقصده مولوی منها هو "مابعد الوعی" أو "الوعی الإلهی" و وصول العارف إلى "الأنا المحیطه" أو "ما بعد الأنا" .