قد تتجلّى الهویّة الثقافیة فی مجموعة خصائص لجماعة بشریة تربط بینهم أواصر عدّة کالتاریخ المشترک، والمیزات الاجتماعیة، والدین، واللغة.. إلخ. ولیس هناک ثقافة إلّا وهی تمثّل هویّتها بأدوات وأسالیب مختلفة. والتمثیل هو الذی یعطی لجماعة ما صورة عن نفسها وعن غیرها، وهو الذی یصنع لهذه الجماعة معادلاً لما یسمی فی علم السرد ب "الهویّة السردیّة". ولقد اقتضت تجربة آداب ما بعد الحقبة الاستعماریّة، وجودَ علاقة فعّالة بین المستعمِر و المستعمَر، تقوم علی مبدأ الخضوع ثمّ التبعیّة، وإنّها عبارة عن تشویه ثقافی یرید قمع الهویّة علی وعی أو من دون وعی لها. وقد انشغل الکاتب العربی الذی کابد هذه التجربة، انشغالاً إبداعیاً وجمالیاً، حاول عبر الکتابة والتفکیر والتخیّل أن یقدّم مختلف أوجه هذه التجربة بکل قسوتها. وحاول تمثیلها فی إطار الظاهرة الاستعماریّة التی استمرت فی صورة ما بعد الاستعمار، وهی الصورة التی أرادت من الهویّة القطیعة مع ماضیها وإدراجها فی سباق عالمی مُعَولم یقوم علی منافسة ثقافیّة قبل أن یقوم علی منافسة عسکریة أو اقتصادیة. وقد جاءت روایة"شیکاجو"، لعلاء الأسوانی آخذة ظاهرة الاغتراب والهجرة أفقاً للاطلاع علی جملة من هذه التجارب التی عاشتها أو رصدتها شخصیّات الروایة. فوجدناها تتحدّث عن المفارقة الغریبة واللاأخلاقیّة بین الأنا الشرقی والآخر الغربی، وذلک عبر عملیات وسیاسات الهویّة التی تنتج جدلیّة شبیهة بعلاقة العبد والسید، ذلک لکی تبرز لنا کیف یمکن للشخصیّة السردیّة أن تتحوّل من کائن فاعل إلی کیان مفعول به.