یرصد هذا البحث بشکل موجز الأفکار الأولى لقضیة من قضایا القصد وهی: ""الثّنائیّة القصدیّة""، التی اکتسحت صفحات الدراسات العربیّة والغربیّة کونها تبرز قیمة العمل الإبداعی ورقیّه، لأنّها تمثّل: مجموعةً من الأهداف والأغراض والمرامی البعیدة المدى التی تستوطن النّص، والمتلقی علیه أن یتصیّدها ولا یقف عند القصد القریب بل یسعى إلى القصد البعید وبهذا ینتج عن ذلک ""ثنائیّةً قصدیّةً"". ولا شکّ أن معرفة هذه الأخیرة تحتاج إلى درایةٍ بها وهذا موطن الإشکال؛ فالقصد الأوّل ثابتٌ لأنّه ظاهرٌ سطحیٌّ وفی الغالب یدرکه کلّ قارئٍ، والقصد الآخر متعدّدٌ ومتغیّرٌ لأنه باطنیٌّ تلمیحیٌّ ولا یدرکه کلّ قارئٍ عدا الذکی والمثقّف والواعی من خلال تمعّنه فی النّص وتوظیف إمکاناته المعرفیّة والسیاقیّة.
وتتجسّد الدّراسة وفق مفاصل محدّدة هی، أوّلاً: تعریف القصد والثّنائیّة القصدیّة، وثانیاًّ: الثّنائیّة القصدیّة فی الدراسات العربیة التراثیة، وثالثاً: الثّنائیّة القصدیّة فی الدراسات الغربیة، فهذین العنصرین الأخیرین رسما معالم الثنائیة من ناحیة تسمیتهما المختلفة من عالم لآخر، بل حتى عند العالم نفسه، وأیضا التعریف بهما، والتمثیل لهما بنماذج متنوعة اللغة والمضمون، ورابعاً: المقارنة بین الدرسیْن، الذی تمّ التطرّق فیه لنقاط الاتفاق والاختلاف.
وقد توصّلت الدراسة إلى أنّ فکرة الثّنائیّة القصدیّة تظهر عند العلماء القدامى من دون ذکرٍ لهذا المصطلح، بل اقتصروا بتقسیم المعنى إلى قسمین اثنین مثلهم فی ذلک مثل الدارسین الغربیین. کما أنّه یمکن أن نلمس أثناء المقارنة بین الدرسیْن، وجود نقاط اتّفاق أکثر من نقاط الاختلاف، وهذا دلیل على وجود علاقة فکریة وطیدة بینهما، لأنّ الهدف فی النهایة واحد، هو عرض النّص وتحلیله دلالیًا ومقصدیًا سواء الظاهر منها أو الباطن.