الأنسنةُ إضفاء صفاتِ الإنسانِ على غیرِ الإنسان، سواءٌ أکان محسوساً ملموساً أم معنویّاً ذهنیّاً. والأنسنة فی الشّعر هی التّوجّه إلى الآخر المُغایر للإنسان، وإلى عقلنته. وهذه الدّراسة تبحث فی کیفیة أنسنة اللّیل فی شعر ذی الرّمّة، وتحاول أن تبیّن أسباب هذا التّوجّه ودوافعه.
ولما کانتْ ظواهر الطّبیعة رافداً من روافد التّجربة الشّعریّة، ویتّخذُ الشّاعر من مشاهدها أدوات فنیّة لصیاغة مشاعره، ومکنونات نفسه، فإنّ لأنسنة تلک الظّواهر صلةً رمزیّةً بحاله النّفسیّة، واللّیل إحدى تلک الظّواهر، وهو رمزٌ للهمومِ والأحزانِ، وللارتحال الطّویل عند ذی الرُّمّة بسبب بعده عن المحبوبة، فکان اللّیل مُتَنَفَسَاً عمّا بهِ من همٍّ وشوقٍ.
یتناول هذا البحث أنسنة اللّیل فی شعر ذی الرُّمّة، الذّی کان من أکثر شعراء عصره ارتباطاً ببیئته، ما منحه إحساساً متمیزاً بعناصرها، دفعه إلى أنسنة ما حولَه بجمالیاتٍ، ولغایاتٍ مختلفة.
والبحثُ قراءةٌ لنماذج شعریة لذی الرُّمّة تقوم على التّحلیل والتّأویل، عَبْرَ التَّعمق فی بنیة النّصوص الشّعریّة المدروسة، والوقوف على أسالیب الأنسنة الفنیّة التّی وظّفها ذو الرُّمّة فی صور الأنسنة وأشکالها. وتوصَّل البحث إلى أنّ أنسنة اللّیل عکست معانی عمیقةً، ومشاعر دفینة کانت تعتمل فی نفس ذی الرُّمّة.