التقنیات السردیه

تستکشف هذه المقاله طبیعه التقنیات السردیه والأسالیب الحدیثه التی اعتمدها الکاتب عبد الرحمن منیف (1933-2004) فی روایته "مدن الملح". دلاله تلک التقنیات والأسالیب لناحیه أن هذه الروایه تعتبر من النصوص البترولیه المهمه فی الأدب العربی ما بعد الکولونیالی الذی یتصدى للخطاب الغربی عموماً والأمیرکی تحدیداً. فقد کانت هذه الروایه موضوع جدالات عمیقه لناحیه تصنیفها الأدبی، ولکن البحث الموضوعی المعمق یبرهن بشکل واضح على أن "مدن الملح" هی روایه واقعیه سحریه، بترولیه، ما بعد کولونیالیه تتصدى للتأثیرات السلبیه الاجتماعیه والاقتصادیه والسیاسیه لاکتشاف واستغلال النفط على مجتمعات الجزیره العربیه ولهذه الغایه سوف تلقی هذه المقاله الضوء على الأسالیب والأدوات السردیه التی استخدمها منیف لإیصال رسالته ما بعد الکولونیالیه المعاکسه من خلال اعتماد مناهج واتجاهات سردیه حدیثه کالواقعیه السحریه ومن خلال استخدام تقنیات سردیه خاصه، کتشکیل الشخصیات باعتماد المجتمع ککل بطلاً للروایه ومن خلال اعتماده تقنیه تعدد الأصوات بهدف عرض وجهات نظر متنوعه للأحداث من قبل الکاتب وبذلک یکون منیف قد قدم نوعاً روائیاً مبتکراً فی الأدب العربی ونادراً على المستوى العالمی، حیث إن القلیل جداً من الأعمال الأدبیه العربیه والعالمیه تصدى لموضوع النفط الذی أصبح یعتبر من المحرمات بفعل الضغوط الأمیرکیه السیاسیه والثقافیه المانعه للتطرق لهذه المسأله الحساسه. من ناحیه أخرى وبغیه شرح الطبقات والمستویات والتشفیرات المتعدده المضمنه بدقه فی "مدن الملح"، فإن هذه المقاله سوف تعتمد نظریه إدوارد سعید المعروفه باسم القراءه المطابقه کمنهجیه علمیه للبحث بهدف وضع الروایه فی مکانها الاجتماعی - السیاسی المناسب وکذلک سوف تعتمد على مفاهیم الواقعیه السحریه ﻠ"ستیفن سلیمون" ولا بد من التنویه بأنها سوف تتطرق إلى کیفیه تجسید منیف لمفهوم التضمین، بحسب نظریه "تزفیتان تودوروف" النقدیه السردیه لشرح کیفیه إدخال منیف قصصاً صغرى ضمن السرد العام بهدف إلقاء الضوء على نقطه معینه تخدم الغایه الکلیه للروایه وبالطبع یساهم وضع عمل منیف فی موقعه الأدبی الصحیح فی تأسیس نوع من التفاهم الحضاری المتبادل بین الشرق والغرب من خلال الحوار الثقافی الحالی والمستقبلی فی عالم حیث النضال والمقاومه ضد الهیمنه والأمبریالیه والحروب العدوانیه هی المحرکات الأساسیه التی تولد أزمات عالمیه والکثیر من الکوارث والمآسی مراراً وتکراراً وخصوصاً فی منطقه غرب آسیا.

تداخلت الأجناس الأدبیه فی العصر الحدیث، وخاصهً على أعتاب انتقاء القصیده المعاصره التقنیات السردیه بحیث وظّف الشعراء فی شعرهم التقنیات السردیه من أجل الجمال الأدبی بالإضافه إلى ربطها بالدلاله. وفی هذا المنحى، تطرق البحث إلى قصیده إبراهیم نصرالله النثریه، وعالج نتاج توظیفه التقنیات السردیه، وتناول سبب عدم خروجه من نطاق الشعر وقصیده النثر رغم توظیفه التقنیات السردیه، هادفاً إلى الوقوف علی تداخل شعره مع التقنیات السردیه بالإضافه إلى استلالها تبییناً لأهدافها جمالاً ودلالهً، منتهجاً المنهج الوصفی_التحلیلی، معتمداً على تداخل الأجناس الأدبیه باعتبار تداخل القصیده مع الفنون السردیه. وتوصل البحث إلى أنّ نص الشاعر الشعری قد یکون نصاً إبداعیاً یتجاوز حدود الأجناس الأدبیه، ولا یعدّ متشکّلا من جنس فنی واحد صاف مغلق على نفسه وإنّه نص مفتوح على فضاءات أجناسیه مختلفه وهو شعر مفتوح على مختلف أنواع النثر ومفتوح على الغنائیه والدرامیه والقصصیه، یتوالد من بنیات نصوص أخرى بحیث یعود سبب دمج الجانب الذاتی والبُعد الموضوعی معاً إلى انتماء شعر إبراهیم نصر الله إلی القضیه الفلسطینیه کما وسّع من انفتاح نصه الشعری واستغله للفضاءات الأجناسیه ولهذا یعدّ نتاج استخدام الشاعر للتقنیات والفنون السردیه ضمن دمج الجانب الغنائی بالجانب الموضوعی، وإخراجه إلی الجوانب الموضوعیه بحیث یتسم النمط الموضوعی الأهم للشاعر بالقضیه الفلسطینیه لأنّ التقنیات السردیه کانت للشاعر آلیه وأدوات جمالیه لربطها بالجانب الجمالی والدلالی لقصیده الشاعر ولیس لتقلیل مستوى قصیده النثر، ولهذا تمکّن الشاعر من تزکیه الدلالات بها. وفی هذا المنحى تجاوب شعر الشاعر بین العناصر البنائیه السردیه، وخضع إلى أکثر من تقنیه وأسلوب للتعبیر عن رؤیته وأفکاره وحالته الشعوریه، وکان أسلوبه عبارهً عن انفتاح أدبی من حیث الجمال والمعنى لکثیر من سدّ الفراغات والثغرات المعنویه، وتکثیفاً لنقل اللوحات السردیه من أجل انفتاح النص الشعری إلى رؤیه العالم.