جسّد محمّد الماغوط أحاسیسه بالألوان، ورسم بها کلماته القاسیة، کما حدد علاقته الشّعریة معها، وأخرجها عن مألوفها، وطبیعتها؛ لیوقظها وهجاً ناریّاً یجعل اللون یلسع البصر والبصیرة، کما هی صوره الشّعریّة. ولاشکّ فی أنّ للألوان والأضواء فی الأدب دوراً إبداعیاً فنیاً؛ توضّح المعانی وتجسمّها، وتضفی علیها بالوصف الضّوئی واللونی حرکة وحیاة، تقرّبها من النّفس والرّوح، وتهدیها إلى الإدراک مصوغة أجمل صیاغة، مشکلة منمّقة، واضحة المعالم، بیّنة التّفاصیل، بل قد یضفی اللفظ الأدبی على معانی الأضواء والألوان غموضاً محبباً ش فیفاً، وسحراً خلاباً؛ إذ یموّه المعانی فی رمزیة لطیفة إن احتاج الهدف إلى تمویه.
لقد شکل اللون هاجساً ذاتیاً عمیقاً عند الشاعر محمّد الماغوط، فوظّفه فی أشعاره، کاشفاً دلالاته المعرفیة والجمالیة، فاللون - إضافة إلى کونه مظهراً من مظاهر الواقعیة فی الصورة الشعریة - کان حاملة إرث ثقافی؛ إذ توضّعت فی الألوان جملة من البنى الأسطوریة والحضاریة المؤسسة لثقافات الشعوب، فکانت ذات دلالات جمالیة.