ملامح العدالة الاجتماعية في السور المکية للقرآن الکريم
منبع:
الحوکمه فی القران والسنه المجلد ۲ صیف ۲۰۲۴ العدد ۲
78 - 104
حوزههای تخصصی:
من خلال التأمل فی آیات القرآن الکریم، یمکن استنتاج أن الکلام الإلهی حول العداله یتجاوز حدود التوصیه والحث على العدل. ففی کثیر من المواضع، یعرض القرآن خصائص وممیزات النظام الاجتماعی القائم على العدل. بناءً على ذلک، تهدف هذه الدراسه إلى توضیح ملامح النظام الاجتماعی العادل کما هو وارد فی الآیات المکیه. والسؤال الرئیس هو: ما هی العناصر التی یقوم علیها العیش الاجتماعی العادل فی الآیات المکیه من القرآن الکریم؟ بالرجوع إلى النص القرآنی والتفاسیر السیاسیه والاجتماعیه المعتبره، وباستخدام المنهج الوصفی التحلیلی، توصلت الدراسه إلى أن ملامح المجتمع العادل التی رسمها الله سبحانه وتعالى للمسلمین قبل الهجره إلى المدینه وتأسیس الدوله الإسلامیه، هی مجتمع خالٍ من الفقر والجوع، ومن التکاثر وتکدیس الثروات، والاحتکار فی وسائل الإنتاج، والتطفیف ونقص المکیال والمیزان، وبعیدٌ عن التعاملات الربویه. المجتمع المثالی العادل الذی یُفترض أن یؤسّسه النبی| بمساعده المسلمین فی یثرب، یتمیز أولاً بأنه خالٍ من الفقر والجوع، بحیث یتمتع جمیع أفراده بالحد الأدنى من متطلبات الحیاه. لذلک، شُرّعت أحکامٌ مثل إطعام المساکین والصدقات والزکاه لتحقیق هذا المجتمع، وألزمت المسلمین بهذه القوانین. یعتمد النظام المالی لهذا المجتمع المثالی على مبدأ توزیع الثروات وتفتیتها، بحیث لا یوجد فیه اکتناز المال والتکاثر وتکدیس رأس المال الراکد. کما أن الأدوات والوسائل الضروریه للحیاه التی یجب أن تکون مُتاحه للجمیع وفی متناولهم لا تخضع فی هذا المجتمع لاحتکار الأغنیاء، بل تُستخدم لصالح العامه. کذلک، یخلو هذا المجتمع من التطفیف والبخس، وهما شکلان من أشکال الفساد الاقتصادی، وتُراعى حقوق الآخرین فی هذا الجانب، کما أن إعاده توزیع الثروه لا تتم من خلال التعاملات الربویه والاستغلالیه، بل عبر الواجبات المالیه مثل «الحق المعلوم» و«الزکاه». إن مثل هذا المجتمع العادل یمکن أن یکون نموذجاً دینیاً مثالیاً لتحقیق هدف العداله الاجتماعیه.