الإحاله

تحلیل الخطاب عباره عن محاوله للتعرف على الرسائل التی یود النص أن یرسلها، ویضعها فی سیاقها التاریخی والاجتماعی، وهو یضمر فی داخله هدف أو أکثر، وله مرجعیه أو مرجعیات وله مصادر یشتق منها مواقفه وتوجهاته. إذن، یساعد تحلیل الخطاب على فک شفره النص بالتعرف على ما وراءه من افتراضات أو میول فکریه أو مفاهیم. فتهدف هذه الدراسه إلى قراءه فی قصیده لعازر62 لخلیل حاوی فی ضوء نظریه تحلیل الخطاب التی تستند على نظریتی الاتساق والانسجام.

تشابک الشعر العربی المعاصر مع الأسطوره بالشکل الذی یمکن اعتبار توظیف الأسطوره أحد أهم ظواهره الفنیه بروزا. وقد أضفى هذا الاتجاه الأسطوری سمه أسلوبیه بارزه إلى ثراء الشعر العربی المعاصر والتعبیر عن مضامینه الدلالیه والقدره فی تصویر معانیه، ما فتح آفاقا جدیده للشعراء. ولم یستعن الشعراء العرب المعاصرون بالأسطوره واقتباس الهیکل الأسطوری بهیئته الأساسیه فحسب، وإنما قاموا بإحداث تغییرات فی جوانب الأسطوره المختلفه وتحویلها إلى أشکال متنوعه بغیه تطبیقها مع الأوضاع الراهنه فی عصرهم لتکون متسایره مع أفکارهم وأهدافهم. وهذا التحریف إن صح التعبیر یشمل جمیع أنواع الأسطوره. یسعى هذا البحث معتمدا منهج الوصف التحلیلی، إلى تحلیل أهداف وتقنیات الإحاله الأسطوریه من خلال الکشف عن استدعاء الشعراء المعاصرین العرب لأسطوره المسیح ومعالجه عناصرها. واستنادا إلى نتائج البحث، تتضمن الإحاله فی أسطوره المسیح التی استدعاها الشعراء فی شعرهم، معظم الروایات الإنجیلیه. کذلک سلوک المسیح ومصیره وأسطوره لعازر وأسطوره المجوس، هی رکائز تعدّ من أهم مکوّنات هذه الأسطوره التی خضعت بشکل أو آخر للإحاله. یعتبر تحویل الشخصیات واستعاره وظائفها واستضافه عناصر إلى عنصر الأسطوره وبناء أسطوره جدیده فی ظل المزج بین الأساطیر ما تلائم حاجه الشاعر التعبیریه، هی من أبرز أسالیب وتقنیات الإحاله الأسطوریه. إضافه إلى ذلک، فإن الإحاله التی وظّفها الشعراء فی الأسطوره المسیحیه، هی على الأرجح ذات دوافع سیاسیه واجتماعیه کالیأس والقلق النابعین عن تبعات الأوضاع السیاسیه والاجتماعیه المتردیه حینئذ.

لقد زودت النظریات اللسانیه الباحثین بآلیات وأدوات مفیده لدراسه النصوص الأدبیه وتحلیلها. إحدى هذه النظریات هی نظریه الاتساق التی تدرس العلاقات بین عناصر النص المختلفه على المستویین النحوی والمعجمی. بما أن أسلوب کتاب نهج البلاغه ومضمونه وبلاغته وفصاحته کان ولایزال محل اهتمام الباحثین، یسعی المقال هذا من خلال استخدام المنهج الوصفی التحلیلی، دراسه عناصر الاتساق النحوی فی المجالات الثلاثه: الإحاله، والحذف، والاستبدال فی الخطبه 222، ومعرفه مدی تماسکها وترابطها. أهم النتائج تشیر إلی أن الخطبه تحظی بدرجه کبیره من التماسک والاستمراریه والترابط، ویعد عنصر الإحاله عاملا أکثر أهمیه فی انسجامها وترابطها. ومن بین العناصر الإحالیه، فإن الضمائر وخاصه ضمائر الغائب یکون لها تردد کبیر فی الخطبه، وبما أن موضوع الخطبه هو وصف صفات العباد وأهل الذکر فإن معظم الضمائر تحیل إلى هذین المرجعین، کما أن عناصر الاتساق النحوی الأخرى رغم قله تکرارها، کانت فعاله فی تماسک نص الخطبه وانسجامه واستمراریته